بينما كنت أتابع فعاليات يوم تربوي بإحدى المدارس الريفية القريبة من مدينة اعوينات ازبل، أخذني المشهد في رحلة إلى الماضي، أعادني ثلاثين عامًا إلى الوراء، إلى تسعينيات القرن الماضي، حين كنا تلاميذ في المدرسة رقم 1، ننتظر مثل هذه الأيام بلهفة، ونستعد لها كما يستعد الجندي لمعركة الشرف.
كنا نؤدي أدوارنا بعفوية منظمة: فريق يكتب تقرير الحصيلة المدرسية، وآخر يقدّم مشاهد مسرحية تعالج قضايا المجتمع، وثالث يشكّل “الكتبية المدرسية” التي كانت تحاكي كتائب الجيش الوطني في انضباطها وتدريباتها.
كانت فكرة “الكتبية المدرسية” من ابتكار أحد المعلمين المتميزين، أستاذي وقدوتي المفتش محمد يحيى ولد محمد محمد عبد الله، الذي آمن بأن المدرسة مصنع الرجال. اختار أفراد الكتبية بعناية، وتولى تدريبهم بنفسه، ووزّع عليهم الرتب العسكرية بشكل رمزي، ثم سلّم القيادة في السنوات التالية إلى التلاميذ أنفسهم.
أما أنا، فقد بدأت رحلتي ضمن فريق إعداد الحصيلة المدرسية ممثلًا عن قسمي، وكنت أظن أن ذلك هو أقصى ما يمكنني تحقيقه. لكنني فوجئت لاحقًا باختياري لمهمة حساسة ونادرة ما تُسند إلى تلميذ: مهمة الربط في يوم الحفل، وهي مهمة كان يتولاها مدير المدرسة عادة. كان ذلك شرفًا كبيرًا واختبارًا حقيقيًا لطفل لم يتجاوز الصف السادس الابتدائي بعد.
اليوم، وأنا أتابع الأطفال وهم يؤدّون عروضهم ببراءة وجدية، ترتسم على وجهي ابتسامة حنين، وأهمس في داخلي: هناك ذكريات لا يُمكن أن تُنسى مهما طال الزمن… بل تنمو في دواخلنا كلما تقدم بنا العمر.
آفاق..حيث تمتد حدود الخبر والرؤية!
زر الذهاب إلى الأعلى