في زمن تتسارع فيه اللحظات وتُختصر فيه الحكايات بعدسة، يسطع اسم العميد **أحمد ولد ميلود** كأيقونة خالدة في سماء التصوير التلفزيوني، منارة تلهم، وقدوة تضيء درب كل من أراد أن يحوّل الضوء إلى قصة، والزوايا إلى رسائل.
ينتمي العميد أحمد إلى الرعيل الأول من مصوري التلفزة الموريتانية، إذ بدأ رحلته مع الكاميرا منذ عام 1982، مسافراً بشغفه إلى ما وراء الحدود، باحثاً عن نور المعرفة وجمال الصورة. حملته رياح الطموح إلى العراق حيث تلقى تدريباً احترافياً امتد لعام كامل، ثم واصل مسيرته إلى الكويت ليتلقى مزيداً من التكوين لمدة ستة أشهر، قبل أن يحطّ رحاله في سوريا، ومنها إلى المركز الثقافي الفرنسي، مستكملاً بذلك رحلة علم وتكوين قلّ نظيرها.
لم يكن مجرد مصوّر، بل كان مدرسة متكاملة خرّجت ما يزيد على أربعة أجيال من المبدعين في ميدان التصوير، وأنا من الجيل الرابع الذي نال شرف التكوين على يديه. حظيت بفرصة ثمينة في مطلع عام 2024، حيث حضرت دورة تكوينية نظّمتها التلفزة الوطنية بمقرها في نواكشوط، كانت تجربة ثرية غيّرت الكثير في رؤيتي للصورة والمعنى، وتشرّفت بأن أنهل من خبرة رجل جمع بين الحرفة والذوق، وبين الفن والرسالة.
تنقّل العميد بين عدة مناصب داخل التلفزة، حيث شغل منصب رئيس مصلحة الروبورتاج، ثم رئيس قطاع التشغيل، ويشغل حالياً منصب المدير المساعد للمعلومات والبنية التحتية، مؤدياً أدواره بكفاءة يشهد بها كل من عرفه أو تتلمذ عليه.
لكن التصوير بالنسبة له لم يكن يوماً مجرد مهنة. بل كان لغة ينطق بها الصمت، وشعوراً يُترجم عبر الضوء والظل ما تعجز الكلمات عن قوله. كل مشهد تحت يديه يتحوّل إلى لوحة ناطقة، وكل لقطة تصبح أثراً باقياً لا يندثر.
تميّز بالحرفية المتقنة، والدقة التي تقارب الكمال، والأهم من ذلك: شغف لا يخبو، وعطاء لا ينضب. زرع في زملائه بذور الإبداع، وفي تلاميذه شعلة الطموح. لم يكن مجرد ناقل للحدث، بل كان صانعه.
إنه أكثر من مصوّر… إنه راوي الحكايات البصرية، صانع الذكريات الصامتة، ووجه مشرق من وجوه الإعلام الوطني، الذي نفخر به ونستلهم من سيرته أسمى معاني الإبداع والإخلاص.
بقلم غيثي محمد فال
آفاق..حيث تمتد حدود الخبر والرؤية!
زر الذهاب إلى الأعلى